الجمعة، 9 أغسطس 2013

القاصرات الممتهنات

 بجانب كل الامتهان الذى تتعرض له النساء فى بلاد العرب و إهدار حقوقهن جاء مسلسل القاصرات ليعرض جانباً أحادياً من مشاكل الفتايات الممتهنات ، فالقاصرات فى بلادنا الشرقية العربية الذكورية يمتلكن من المشكلات أضعافاً..
 فبالإضافة لكونهن مُجبرات على ما يُجبر عليه الجميع من حياة غير أدمية وفقر وبطالة وسوء تغذية وتعليم ومعيشةة .. إلخ ، إلا أنهن الأضعف فى المعادلة الهزيلة ، فيتلقون على كاهلهم الضعيف جداً مالا يستطيعون حمله، فقط لآنهن "بنات" وليسو "ذكور" لآنهن قد وُلدن فى "الريف" أو "الصعيد" وليس فى "الحضر"  لآنهن لا يملكن المال أو العلم أو القوة أو أى شيئ...

القاصرات فى الريف  والصعيد والمناطق النائية يتعرضن لبشاعات عده، إن لم تسلم من أحداها وقعت فى الآخرى .. فبغض النظر عن إستباحة الجهل والفقر والعوز للأطفال فى كافه مناحى الحياه -وللجميع- إلا أنه يستبيح الطفله "الآنثي" فى جانبها الجسدي فقط"غالباً" –فهى لاتملك غيره- فتبدأ فى عامها الثالث أو الرابع بمشاركة أسرتها بالزراعة وتربية الآطفال والحيوانات معاً وإن لم يكن داخل منزلها المتواضع حيوانات تصبح هى الحيوان المُفتًرس فى منزل أخر لا يبعد كثيراً عن منزل اسرتها فتبدأ بالنظافة وترتيب متعلقات الغير والزراعه فى أرضة وتلبيه طلباته والعمل تحت طوعه بكل الآشكال..
إلى أن  يبدو على جسدها أول ملامح لأنوثه تود أن تجعل منها إمرأه سوية ، فيوقعها القدر سريعاً فى زواج رسمي (عمليه بيع بمعنى أدق) يسلبها طفولتها التى لم تعرفها وأنوثتها المنتظرة ، لتصبح زوجه قبل أن تكمل عامها الخامس عشر لتُسأل عن زوج وابناء (وتلك هى ألطف البيعات الزوجيه)..
فبعض الأسر لايفضلون الزواج الرسمى ويبحثون عن زواج "سياحى"، فهم لا يكتفون بزيجه واحده يتخلصون فيها من أبنه تُمثل عبئاً إقتصادياً عليهم وإنما يقومون ببيعها فى مزاد علنى مره أو مرات –حسبما أتاحت لهم بيئتهم- لرجل مصري أو عربي –لايهم- المهم هو أن يدفع أكثر .. فجسد تلك الإبنه يكمن أن يشترى أرضاً أو يبنى للأسرة منزلناً .. والزيجه الثانيه تبنى دوراً إضافياً فوق منزلهم والثالثه تجذب الرابعه لتحقق ثراء أسره بأكملها وربما لإخفاء جرائمها "على حساب جسد" ربما لا تستمر تلك الزيجات شهوراً ، وربما اسابيع .. لكنها تبقي فى مفهومهم ومعتقداتهم زيجات حقيقية..
أعلم أن الكثيرون يرون ذلك مستحيل الحدوث فى القرن الحادى والعشرون بالأخص فى مصر، وأن الآمر مُبالغ فيه لآبعد حد –كما كنت أرى سابقاً- ولكنها الحقيقه "للأسف" فـ مصر التى تحمل من اللهجات ما لا يُمَكنْ أبنائها من الاسكندريه فهم اخواتهم فى الوطن من النوبه أوسيناء أوالواحات .. وتحمل من الثقافات والقيم والطبائع مالا نستطيع حصرة .. يحدث فيها ذلك، وبصفه مستمره، لتصبح إبنه السته عشر عاماً قد سبق لها الزواج فوق السبع عشر مره، وتحت شعار الزواج الحلال، وعلى يد مأذون لا يوثق العقد رسمياً، وبمباركة شيوخ يؤمنون بحقوق المرأه فى الإسلام، وبمباركه مشايخ قبائل وعمد قري وغيرهم من كبار القوم حفاظاً على مصالح قائمه!
وبالمناسبه فمصر ليست الرائده فى مجال زواج القاصرات وانما تحتل العراق المرتبه الاولى وللسعوديه واليمن حضور بارز فى القائمه ومصر كذلك ، كما ان الرجال من السعوديه والكويت هم متصدري قائمه الأزواج المؤقتون للقاصرات من الدول العربيه .. فالمشكلة ليست محليه فقط!

  فى الحقيقه، ليست قضيتي الآن العدل أو المساواه بين الذكر والآنثي أو بين طبقات المجتمع  أو حتى دفاعاً عن الحقوق الانسانيه الاساسيه من علم وعمل وحياه أدميه .. إنما قضيتي "الآن" ما تعرض له المسلسل من زواج أطفال لم تتعدى أكبرهم الرابعه عشر من رجل تعدى السبعون ليستنزف طفولتهن وبرائتهن ويستعيد شبابه بحبات زرقاء لاقيمة لها أمام أعمارهن ليُنجبن منهن أطفالآ تكن سبب موت أمهاتهم القاصرات التى لم تكتمل أعضائهن بعد..
والقضيه الأعمق من زواج طفله لرجل مثل (عبد القوى) بالمسلسل.. هى زواج نفس الطفله لعشرات الرجال مثله لمدد قصيره بأموال كثيره لصالح أسرة طامعه .... فكلاهما ضحايا حقيقيه لمجتمع وثقافة سمحت لمثل هؤلاء الرجال بإنتهاك حرمات الطفوله الآمومه والإنوثه .. والإنسانية
فلنتخيل كم القهر والآلم فى قلوب تلك الفتايات التى كنً بريئات قبل أيام! كيف هو شعورهن وهن بين أذرع رجال لم يعرفو من الرحمة والعدل والانسانية شيئ؟

وبغض النظر عن حاضرهم المؤلم .. فالمستقبل البائس فى انتظارهم ، فالمرأه منهن بعد أن تُكمل عامها الثلاثون على الآكثر تكون قد فقدت أهميتها والمرتبطه بقدرتها الجسديه ليحل عليها المرض والوهن وتصبحن بلا فائده فإما أن تتوجهن للعمل بالمنازل إن كان ذويها ينتظرون المزيد منها ، وإما أن تعييش حياه ليست بحياه فى منزل ذويها الذين يسلبونها كل حقوقها فى الحياه بعد أن تكون قد تشبت بالعادات السيئه والثقافات الخاطئه .. وفى الغالب فإن هذه الفئه من المطلقات هى الآكثر عرضة لعمليات العنف الجسدي والاغتصاب الجنسي مما يضعهن تحت عوامل نفسيه صعبه تدفعهم للإجرام بسبب اليأس والحرمان والضعف ووو..

في الحقيقة..
مشكلة زواج القاصرات موجودة فى مجتمعات عربيه كثيره منذ سنوات كثيره أيضاً، تختلف أسبابها من بيئه لآخرى ما بين الفقر - الجهل - سهوله إتمام الزيجه وقله تكلفتها بالمقارنه بالزيجات الطبيعيه - طمع الأباء - التربيه وثقافه المجتمع ووو ..
كما تختلف أشكالها ما بين زواج حقيقي بمفهوم الآسره أو زواج سياحى مقابل المال أو زواج تحت التهديد .. وغيرها من الاشكال
إلا انها إن لم تكن مشكله فى حق تلك الفتايات ومستقبلهن، فهى أزمه فى حق أسرهم، مجتمعهم، دولتهم ككل .. ويجب أن يُحاسب عليها كل المسئولون بمن فيهم المُباركيين لتلك الزيجات من رجال دين وعمد وشيوخ قبائل ..
فمن العيب في حق دوله يُقر دينها بحقوق المرأة "كما يقول شيوخها الأفاضل" وتحمل من التاريخ ما يجعل شعبها يتفاخر وهو متقاعس ، ومن الإعلام ما يكفي لمحاربة الجهل، أن لا يتوفر بها إرادة سياسية تقف كحائط صد أمام تلك الأفعال... والحقيقه أن القوانين لا أزمه فيها وإن لم تكن التشريعات كافيه فالإرادة السياسيه تُسهل من وضع تلك القوانين والتشريعات لتكن مُلزمة.. وإنما الآزمه الحقيقية تكمن فى شقين :
 الآول : هو فينا، فى أخلاقنا التى إنعدمت وإنسانيتنا التى ماتت ، فى أليات تنفيذ القوانين المتهالكه والممتهنه كالقاصرات !
والثانى : هو فى الدولة التى لا تعترف بمشكلاتها ، فإن إعترفت يمكنها دعم منظمات المجتمع المدنى لحل مشكلاتها على اقل تقدير ، ومن ثم توجيه خطط تنمويه لتلك الفئات من المجتمع وتعليمهم ودعمهم مادياً وعملياً لينتقل فكر الحضر الى الريف.


فـ فى النهاية .. الآمر متروك للإرادة المجتمعية .. والسياسية .

هناك تعليقان (2):

Übermensch يقول...

من أجمل وأقوى ما قرأت في هذا الموضوع... الطرح مكتمل، ويعرض المشكلة بدقة. وأتفق معك بأن الإرادة السياسية (والشعبية) هي الطريق الوحيد لحل هذه المشكلة. لابد من تجريم الزواج (بكل أشكاله) تحت سن 18 عاماً. ليصبح المسؤولين عنه والمنتفعين منه مجرمين بنظر القانون.
أحييكي... استمري.

ضياء عزت يقول...

رائعة أنتِ ومتألقة جدا يا صديقتي عندما تتبين عن القضايا المجتمعية خاصةً تلك التي تمس بنات جنسك.

تحياتي بجد.. تدوينة ولا أجمل.

Translate

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...